يقول المصنف موضحا تعاضد العقل والفطرة والنصوص الشرعية على إثبات العلو: [فكيف إذا انضم إلى ذلك شهادة العقول السليمة والفطر المستقيمة، والنصوص الواردة المتنوعة المُحْكَمَة على علو الله على خلقه؟!].
فهذه ثلاثة أدلة متضافرة: العقول، والفطر، والنصوص، ثم أخذ يذكر هذه الأدلة المحكمة المصرحة بعلو الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا لا تجد عاقلاً في أي مكان وفي أي ملة إلا وهو يثبت أن الله سبحانه وتعالى فوق المخلوقات؛ إلا من أُفْسِدَتْ فطرته؛ لأنه كما في الحديث: {كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه... } فيولد الإنسان على الفطرة، لكن الآباء يجعلونه على أي عقيدة من العقائد الأخرى، فالطفل أول ما يتصور ويتبادر إلى ذهنه بالفطرة والعقل السليم أن الله فوق كل شيء؛ ففطرته لا تثبت أنه في كل مكان، ولذلك يقول: والله العظيم..! ويرفع يده فوق رأسه، ويقول: الله مطلع علينا..! ويرفع يده إلى السماء.
وقد حدثنا أحد المشايخ المعروفين في مصر أن أباه رحمه الله كان من دعاة التوحيد، ومن الدعاة إلى عقيدة السلف، ومن أنصار السنة، فجاء الصوفية والمخرفون وقالوا: نشكو هذا إلى الشرطة؛ لأنه يفسد عقائد الناس، ويقول: (إن الله فوق المخلوقات)، وحين كان الضابط يكتب الشكوى، قالوا: إنه يفسد العقائد، فكتب ذلك، ثم قال لهم: ماذا يقول؟ قالوا: يقول: إن الله في السماء، فقال الضابط: (أمال هو فين يا شيخ؟!) فهذه الفطرة نطقت.
وشهادة الفطرة السليمة تكون في الأوقات التي لا يحجب الإنسان فيها حجاب من الحجب المفتعلة، وتظهر وقت الحاجة والفزع، فهذه الفطرة في وقت الحاجة والفزع تظهر عند المشركين الذين خاصموا وكابروا وأنكروا وأشركوا بالله، قال تعالى: ((فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ))[العنكبوت:65] حينها تراهم يتجهون كلهم إلى الله، ويرفعون أبصارهم إلى السماء.
ولما صدم المنكرون للعلو بهذه الحقيقة، قالوا رداً منهم على هذه الفطرة: إن الشرع جعل السماء قبلةً للدعاء؛ كما جعل الكعبة قبلة للصلاة..!
وهذا كلام غير مقبول أصلاً، لأن هؤلاء الذين يتوجهون إلى السماء في دعائهم لم يكونوا من المتعبدين بأي شرع، وإنما تحركت الفطرة نفسها بدون إرادة منهم واتجهت إلى الله خالقها سبحانه وتعالى، وفي تلك اللحظة لا يوجد مجال للمكابرة والعناد، ولذلك يتجه الناس حينها إلى الله، ويدعونه الله سبحانه وتعالى بجميع اللغات، وكلهم يتجهون إلى جهة واحدة وهي العلو.
فالله تعالى عالٍ على جميع المخلوقات، كما تشهد بذلك العقول والفطر السليمة معاضدة للنصوص الشرعية المثبتة لذلك.